رشة ورد- العضوة المميزة
- تاريخ الميلاد : 11/07/1993
الدولة : اسكــــــــــــــــ الجزائــــــر ــــــــــــــــــــن وفلسطـــــــ تسكنني ـــــــــين
المزاج : AM FINE BECAUSE THERE IS NO ONE CAN CHANG MY FINE DAYS
عدد الرسائل : 3693
عدد النقاط : 14588
نقاط تقيم الاعضاء : 413
العمر : 31
الوظيفة : وراء القراية
تعاليق : One Two Three Viva L'algerie
18 - نوفمبر - 2009
تاريخ لن ينساه الشعب الجزائري
*********************
صوني عفافَك بالحجابِ حقيقة *** واستغفري عما مضى وتوسّلِ
ولباسُ تقوى الله أغلى ثمناً *** من كلّ أنواع الجواهر والحُلي
***************
أنا لستُ وحدي في قرار تحـجّبــي *** خلـفـي كثــيـرٌ يـقتـفـيـنَ مَـتــابــي
فمعي النساءُ السائراتُ على الهدى *** ومعي الحيـاءُ وفطرتـي وكتـابــي
سأظلُّ أرقــى للسمـــاوات الـعُـــلا *** وأظلُّ أحيا في هــدى المـحــرابِ
تاريخ التسجيل : 13/05/2010
بطاقة الشخصية
حقل رمي النرد:
(1/1)
من طرف رشة ورد الخميس 13 مايو 2010 - 16:30
ضعاف السمع
أمضت إحدى الأسر عمرها وهي تنتقل بين دور الآجار، حتى تيسر لها بعد عناء شراء دار، وفي صباح الليلة الأولى التي نامت فيها الأسرة في دار المُلْك، خرج رب الأسرة إلى عمله باكراً، فلقيه جاره، فحياه، وقال له: "منزل مبارك"، فرجع الرجل إلى البيت على الفور، وكان ضعيف السمع، فلقي زوجته، فقال له مغاضباً: "رأيت؟! جاء صاحب الدار يطالبني بالآجار"، وكانت مثله ضعيفة السمع، فتركته غاضبة، ومضت إلى ابنتها، تشكو لها أمرها، فتقول: "رأيت؟! أبوك دائماً يظلمني، قال أحضر هو طبخة، وأنا ما طبختها"، وكانت مثلها، ضعيفة السمع، فتركتها غاضبة، ومضت إلى أخيها، تشكو له أمرها، فتقول: "رأيت؟ أمك دائماً تظلمني، قال أرادت هي تزويجي، وأنا ما أردت"، وكان أخوها مثلها، ضعيف السمع، فتركها غاضباً، ومضى إلى جدته، يشكو لها أمره، فيقول: "رأيت؟! أهلي كم يظلمونني، قال أرسلوني إلى الكتاب، وأنا ما ذهبت"، وكانت جدته مثله ضعيفة السمع، فغضبت، إذ فهمت أن الأسرة قد ضاقت بها، فحملت صرة ثيابها وخرجت، تاركة البيت، وهي تحدث نفسها فتقول: "ماضيّق في الخان غير ناقتي وجحشي".
تعليق:
حكاية طريفة، الغاية منها التسلية والإضحاك، وهي بسيطة جداً، ولكنها تدل على بؤس الفقراء وشقائهم، إذ لا يكاد أحدهم يطمئن في دار يملكها، حتى يظن أن أحداً جاء يطالبه بالأجرة، لأن ماضيه البائس مسيطر عليه.
كما تدل على شقاء الأسرة الفقيرة ومعاناتها، فليس ضعف السمع إلا شكل خارجي يدل على أن كل فرد في الأسرة مشغوله بذاته، لا يكاد يسمع إلا ما يهمه فقط، فهو غارق في مشكلاته، وكل حديث يسمعه يظنه عنه هو وحده، وهذا يكشف من جهة أخرى ضعف التواصل بين أفراد الأسرة، وعدم تفاهم بعضهم مع بعض.
والحكاية تقوم على تتابع درجي بعضه يقود إلى بعض تفاقم متصاعد من الأدنى إلى الأعلى، حتى يبلغ الجدّة التي هي أكثر أفراد الأسرة إحساساً بالظلم والبؤس.
وواضح ضيق الدار بأفراد الأسرة، وهذا الضيق نفسه يدل على كثرة أفراد الأسرة، وفقرهم، وعدم قدرتهم على شراء دار واسعة.
وهذا الضيق في المكان انعكس في ضيق الصدور، إذ لا يكاد أحدهم يصبر على الآخر، بل كل منهم ضائق ذرعاً بالآخر.
إن الحكاية هي حكاية الفقر وكثرة العيال وضيق ذات اليد بالإضافة إلى ضيق المكان.
rvr
العابد وزوجته
كان أحد العباد ورعاً شديد الورع، وكان كلما وقف للصلاة، متوجهاً نحو القبلة، تمثلت له الكعبة أمامه، فكان يراها رؤية العين، فيفرح بما يحظى به، ويزداد تقى وورعاً، وكانت زوجته مثله في تقاها وورعها، بل كانت أشد منه تقى وورعاً، فكان لا يراها الرائي، ولا يسمع صوتها رجل، وكان كلما حدثها زوجها بما يرى كانت تقول له: "لا تحسب أن ذلك بفضل تقاك وورعك، وإنما هو بفضل تقاي وورعي أنا، بل بفضل صيانتي عهدك، وحفاظي حرمتك"، وكان لا يصدقها فيما تقول، ويؤكد لها أنه يحظى بما يحظى بفضل تقاه هو وورعه.
وذات يوم أرادت زوجته أن تؤكد له دعواها، فعمدت إلى كفها، فأحاطتها بلفافة من قماش، ولم تترك منها بارزاً سوى عقدة واحدة من إصبعها الصغرى، وانتظرت حتى مر بباب الدار أحد الباعة، فاشترت منه شيئاً، وأتاحت له، وهي تدفع له ثمن ما اشترت، أن يرى تلك العقدة من إصبعها، ولما كان المساء عاد زوجها إلى البيت، فتوضأ كعادته، ونهض إلى الصلاة واتجه نحو القبلة، وهو يتوقع أن يرى الكعبة، ماثلة أمامه، ولكنه لم ير شيئاً، فصلى ركعتين، وركعتين، وركعتين، وكان في كل مرة يرتجي رؤية الكعبة، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث، فسارع إلى زوجته، يخبرها بالأمر، فمدت له أصبع يدها الصغرى، وناولته مدية، وقالت: "هذه أصبع يدي، اقطع منها عقدة، فترى ما كنت تراه من قبل"، فدهش العابد لما سمع، فألحت عليه أن يفعل، فلما سألها عن معنى ذلك، أخبرته بما كان، فأيقن أنه كان يحظى بما يحظى به، بفضل ورع زوجته وتقاها هي، لا ورعه هو، وتقاه.
تعليق:
تؤكد الحكاية دور المرأة ومسؤوليتها في البيت والمجتمع، فلا يكفي أن يكون الرجل تقياً صالحاً، فلا بد أن تكون المرأة كذلك كي يستقيم الصلاح والتقى، وهي بذلك تساوي بين الرجل والمرأة وتجعلهما ندّين.
والحكاية تلجأ من غير شك إلى المبالغة من أجل التأثير والإقناع.
rvr
كل حال يزول
كان لأحد التجار صديق في بلد بعيد، وكان يزوره في العام أو العامين، إذا حملته الأسفار إلى بلده، وزاره مرة، فقصد متجره، فلم يجده فيه، فسأل عنه، فقيل له: "إن الزمان مال به، فأعلن إفلاسه"، ولما سأل عما صار إليه، وأين يلقاه؟ دله الناس على حمام قديم، فقد غدا يعمل فيه وقاداً، فمضى إليه، حتى إذا بلغ الحمام، دخل القمين، فوجد صديقه يعمل فيه، فسلم عليه، فرحب به، وأفسح له موضعاً فجلس فيه، حيث هو، بين أكوام الأوساخ والأقذار، ولما حاول صاحبه تعزيته ومواساته، على ما آل عليه، شكره، وأبدى جلداً ورضى، ولم يظهر عليه من الحزن أو الضيق شيء، ثم قال له:
كل حال يزول
ثم ودعه صاحبه، ومضى في سبيله.
ومرت الأيام، وما هي إلا بضع سنين، حتى حملته الأسفار، في أثناء تجارته إلى بلد صاحبه، فقصد إلى الحمام، يبغي زيارته، ودخل القمين، فرأى فيه رجلاً آخر، غيره، فلما سأله، عنه، رحب به أعظم ترحيب، وأظهر له كل احترام وتقدير، ثم أخبره أن صاحبه غدا وزيراً عند السلطان، وليس له إلا أن يقصده في قصره.
ومضى التاجر إليه، فلما دخل عليه، هنأه وبارك له في منصبه الكبير، وأبدى له فرحاً كبيراً بما صار إليه، فشكر له صاحبه مشاعره، من غير أن يظهر عليه الفرح بمنصبه، ولا أن يظهر عليه الغرور، ثم قال له:
كل منصوب معزول
وقعد قليلاً عنده، ثم ودعه، ومضى في أسفاره.
ومرت بضع سنين أخرى قبل أن يمر التاجر ببلد صاحبه الوزير، في إحدى أسفاره، فلما كان في بلده، قصد إلى قصره، وطلب من الحرس الإذن في الدخول عليه، فاعتذروا له، وأخبروه أنه قد نقل إلى رحمة الله، فحزن أشد الحزن، وسألهم أن يدلوه على قبره، ليزوره، ويؤدي له حق الصداقة، فدلوه عليه، فقصده، فلما بلغه، وقف أمام القبر ليقرأ الفاتحة، فوجد مكتوباً عليه:
"كل حال يزول، وكل منصوب معزول، وكل ميت مسؤول".
تعليق:
تؤكد الحكاية تقلّب الأحوال وتغيّرها وعدم ثبات شيء على ما هو عليه، إذ إن قانون التغير هو قانون الحياة، ثم تؤكد أن ذلك كله لا يضيع عبثاً، إذ ثمة مآل ومصير، حيث يسأله المرء أمام الله عما فعل، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وهي بذلك تضع الإنسان أمام مسؤوليته تجاه الله، وتؤكد له أن الحياة مرحلة مؤقتة، عمادها التقلب والامتحان والتغير، من أجل غاية أبعد وأسمى.
والحكاية تقدم نموذجاً إيجابياً لرجل لا ييأس ولا يقنط أمام المصائب، ولا يضعف ولا يستسلم إذا نزل به مكروه، ولا يطغى ولا يستبد بما أوتي، ولا يفرح، مما يؤكد عدله وتوازنه، وإدراكه أن هذه جميعاً عروض مؤقتة.
والحكاية ذات بناء ثلاثي وهو بناء هرمي متدرج يؤكد نمو الحياة وتدرجها من ضعف إلى قوة إلى ضعف، وهذه المراحل الثلاث تعبر عن مفاصل قاطعة في حياة الإنسان.
والحكاية تقوم على صيغة لغوية تنتهي بها لتصنع القفلة أو العبرة أو الختام في شكل مثل أو منظومة سجعية جميلة لا تكلف فيها.
والحكاية تدل على عادة شعبية، وهي كتابة بعض الآيات أو الأشعار أو الأقوال على شاهد القبر.
rvr
سرّ الصندوق
كان أخوان يعيشان معاً في بيت واحد، وكان لأحدهما صندوق عليه قفل، وضعه في زاوية من البيت، وكان كلما عاد من العمل، فتح الصندوق، وقعد أمامه، تاركاً ظهره لأخيه، وانكب على ما في الصندوق ساعة أو ساعتين، يتأمل ما فيه، ويتفقده، ثم يغلقه، ويحكم إقفاله.
وكان هذا دأبه كل يوم، وأخوه يرقبه بصمت، وضيق، ولكنه لا يسأله عما يخبئ في الصندوق، ولا يحاول إخراجه.
ومرت عليهما الأيام، وهما كذلك، فإذا هي أعوام وأعوام.
ثم كان أن مات الأخ صاحب الصندوق، فقام أخوه بواجبه نحوه، فدفنه، وأكرم مثواه، ثم بادر إلى الصندوق ففتحه، فإذا فيه قطع صغيرة من الحديد، عتيقة، صدئة ومسامير، ومفاتيح، وعجلات، وقطع لا أشكال لها، كلها صدئة صدئة.
تعليق:
تكشف هذه الحكاية أنانية الإنسان، وفرديته، وعزلته، وجشعه، فهو ينطوي على نفسه، ويحتفظ بأشياء خاصة، تافهة، لا قيمة لها، لا يريد اطلاع أحد عليها، ويؤثر العيش مع تلك الأشياء على العيش مع أخيه، مؤكداً عزلته.
والحكاية تؤكد سخف تلك الحياة وفراغها، إذ تتعلق بأشياء تافهة، وما هي في الحقيقة بحياة، لأنها لا تحقق شيئاً في الحياة، ولا تبقي شيئاً للآخرين بعد الممات.
والحكاية موجزة جداً، وهي تدل على مجتمع المدينة حيث البيوت والصناديق والأشياء المعدنية، والحكاية على الأغلب قريبة العهد، وليست عريقة ولا موغلة في القدم.
rvr
من أجل أخي
يحكى أن أخوين اثنين كانا قد ورثا عن أبيهما قطعة أرض، فكانا يعملان فيها معاً، يزرعانها ويحصدانها، ثم يقتسمان غلالها، وكان أحد الأخوين متزوجاً، ذا عيال كثير، على حين كان الآخر ما يزال عزباً.
وفي أحد المواسم، اقتسما المحصول، وحمل كل منهما نصيبه إلى داره، وأودعه في مخزنه، وفي الليل، أوى كل منهما إلى فراشه، فقال الذي ما يزال عزباً يحدث نفسه: "إن أخي متزوج، وذو عيال، وهو يتحمل من الأعباء أكثر مما أتحمل، وأنا العزب، فليس من الإنصاف أن نقتسم الغلال، فمن حقه أن يكون نصيبه أكثر من نصيبي" ثم ما كان منه إلا أن نهض، ومضى إلى مخزنه، فحمل منه كيساً ومضى به إلى دار أخيه، فدخلها، وألقى بحمله في مخزن أخيه، ورجع إلى داره مرتاحاً مطمئن النفس.
وفي تلك الأثناء كان الأخ الآخر، يحدث نفسه، فيقول: "إن أخي ما يزال عزباً، وهو مقبل على الزواج، وعليه ستقع أعباء كثيرة، وليس من الإنصاف أن أقاسمه الغلال مناصفة"ثم ما كان منه إلا أن نهض، ومضى إلى مخزنه، وحمل منه كيساً، ومضى إلى دار أخيه، فدخلها، وألقى بحمله في مخزن أخيه، ورجع إلى داره مرتاحاً، مطمئن النفس.
وفي النهار رجع الأخوان إلى العمل الذي خلفه لهما والدهما، بتعاون، وصدق وإخلاص.
تعليق:
حكاية ريفية جميلة، تعبر عن طبيعة العلاقات النقية في المجتمع الزراعي، وتؤكد ما بين الأخ وأخيه من حب وتعاون وإخاء صحيح.
وهي تؤكد ضرورة التعاون والتسامح كما تؤكد التضحية والإيثار، وتدل على التفكير في الآخر، لا في الذات، فكل أخ من الأخوين يفكر في أخيه، ولا يفكر في نفسه، كما تدل على صدق النية وسلامتها، وأن الأساس في الفعل هو النية، وليس محض الفعل.
وهي تؤكد أن المال لا ينقص من الزكاة أو الصدقة أو التعاون، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما نقص مال من زكاة قط".
والحكاية تدل على الريف والمجتمع الزراعي، في صورته النقية، وهي حكاية موجزة مكثفة، عميقة الفكرة بعيدة الدلالة، وهي من غير شك عريقة موغلة في القدم.
rvr
أيام السعادة
كان أحد الرجال، ويدعى"بكراً"، قد عاش عمره كله بائساً شقياً، لم يهنأ في حياته يوماً واحداً، لفقره وشقاء حاله، وذات يوم ارتحل كي يريح نفسه ويسليها، وبينما هو في سفره، رأى بلدة، فقصد إليها، وقبل أن يدخلها مر بمقبرتها التي كانت خارج أسوار البلدة، فلفت نظره ما هو مكتوب على القبور، فهذا قبر كتب عليه أن صاحبه عاش يوماً واحداً، وذاك قبر كتب عليه أن صاحبه عاش أربعة أيام فقط، وذلك قبر كتب عليه أن صاحبه عاش يومين، وكذلك سائر القبور، لم يعش أطول أصحابها عمراً، كما هو مكتوب على القبر، سوى بضعة أيام، على الرغم من أن القبور ذات حجوم كبيرة، تدل على أنها لرجال، وليست لأطفال، فدهش للأمر وتعجب، ثم مضى إلى المدينة فدخلها، فوجد الناس فيها مثل باقي الناس، فيهم الشاب والشيخ والطفل والكهل والولد، من نساء ورجال، فزادت دهشته، ولم يستطع صبراً، فاقترب من أحد الرجال وسأله عن سر ما كتب على القبور، فأجابه الرجل: "نحن نكتب على القبر عدد أيام السعادة التي كان الميت قد عاشها، لأنها هي عمره الحقيقي"، وعندئذ زفر"بكر" زفرة طويلة، ثم قال للرجل: "أنا غريب، دخلت بلدتكم، وأظن أني سأموت فيها، ولذلك أرجو إذا مت عندكم أن تكتبوا على قبري:
"هذا قبر المرحوم بكر
| | من بطن أمه إلى القبر"
|
تعليق
تدل الحكاية على شقاء الإنسان وبؤسه في الحياة، وهي تؤكد أن العمل الحقيقي لا يقاس إلا بأيام السعادة، ولكنها تؤكد أيضاً أن تلك الأيام قليلة، وبذلك تزداد قوة ورسوخاً دلالتها على شقاء الإنسان وبؤسه.
والحكاية موجزة مكثفة، وعناصرها قليلة، اختيرت بدقة وعناية، وأبرزها القبر، وما كتب عليه من شعر، وهو تجسيد مادي لقصر عمر الإنسان وشقائه.
والحكاية تمتلك طاقة كبيرة على إثارة مشاعر الحزن واليأس والألم، وهي تعكس نظرة تشاؤمية لا تفسير لها، ولكنها على الأغلب ليست صادرة عن الموت، ولذلك يرجّح تفسيرها بالفقر والحرمان والقهر.
وإذا كانت الحكاية لم توضح بالمقابل مفهوم السعادة ولا معناها، فإن ذلك زاد في مساعدة الحكاية على إثارة الإحساس بالشقاء.
rvr
وإذا سألت فاسأل الله
يحكى أن ملكاً ضاقت به نفسه ذات يوم، فخرج مع وزيره، وقد تنكر كل منهما في زي درويش، وسارا قاصدين البادية طلباً للنزهة، وتفريج الكرب.
ولاحت لهما من بعيد خيمة وحيدة، فمالا إليها، يلتمسان الماء والراحة، فخرج لهما رجل عجوز وزوجته، فرحبا بهما، وقدما لهما حليب عنزة، ويبدو أنهما لا يملكان غيرها، ثم أقدم الرجل على ذبحها، وقامت المرأة بإعدادها طعاماً للضيفين.
وأدرك الملك ضعف حال الرجل وفقره، وقد لاحظ كرمه وجوده، فدفع إليه بورقة وقال له: "خذ هذه توصية بك لدى الملك، إذا نزلت يوماً إلى المدينة فاقصده، فسوف يكرمك حين يطلع على الورقة، فإن لي حظوة عنده. " ثم شكر الملك للرجل كرمه، وحسن ضيافته، وخرج مع الزوير، من غير أن يعرفه إلى حقيقته.
ومرت الأيام، وإذا سنة قاحلة قد حلت بالبلاد، عم فيها الجوع وكثر المرض والموت، وزاد الأمر نكدا العواصف والزلازل.
وذات يوم هبت عاصفة هوجاء، اقتلعت خيمة العجوز، ولم تبق لديه شيئاً يملكه، فأوى إلى الكهف، ونصحت له زوجته بزيارة الملك، وذكرته بكتاب التوصية، وكان قد نسيه، ورفض الرجل الانصياع لطلبها، ولكنها ألحت عليه، وزينت له الأمر، فاستجاب، ومضى إلى المدينة في يوم جمعة، يقصد الملك.
وكان وصوله إلى المدينة وقت صلاة الجمعة، فدخل المسجد ليصلي، فوجد الملك وراء الإمام، فاجتاز الصفوف حتى صار وراءه، فقعد ينتظر حتى يتم صلاته.
وبعد أن أنهى الملك صلاته، رفع يديه إلى السماء، وأخذ يدعو الله بصوت مسموع، طالباً منه أن يرزقه، وأن يمنحه الصحة والعافية.
ولما سمع الرجل دعاء الملك، رفع يديه إلى السماء، وأخذ يدعو الله، ثم نهض وخرج من المسجد، ورجع إلى زوجته، فبادرت تسأله عما أعطاه الملك، فأجاب بأنه لم يسأله، فأنكرت ذلك، فأجابها: "رأيته يسأل الله، فعرفت أنه سائل مثلي، وأدركت أن علي إذا أردت السؤال أن أسأل الله وحده، وقد فعلت، فاستعنت بالله عنه، وهو حسبي".
تعليق:
تؤكد الحكاية أن الرازق هو الله، وأنه هو المصدر الأول لكل الأفعال، وهو سبب كل الأسباب، وهو وحده الملجأ والملاذ، وهي تدل على العزة والأنفة، كما تدل على المروءة والوفاء.
rvr
سم الأفعى
يحكى أن عجوزاً فقيرة تهدّم جانب من جدار دارها، فاستدعت أحد البنائين، وطلبت منه ترميمه، على أن يمهلها في أجرته.
وأمضى الرجل نهاراً كاملاً في ترميم الجدار، ولما حل المساء رأت العجوز أن تقدم له طعام العشاء، فدخلت إلى المطبخ، وإذا أفعى قد تحلّقت فوق الوعاء الذي وضعت فيه كل ما لديها من طعام، فحارت في أمرها، وهي العجوز الفقيرة، فعزمت على تقديم الطعام للرجل، وليكن ما يكون، ولم تلبث الأفعى أن تحركت وانسلت زاحفة نحو جحر في الجدار غابت فيه، وحملت العجوز الطعام للرجل، فأقبل عليه، وهو التعب الجائع، فالتهمه كله، والعجوز ترقبه خائفة، ثم ودعته وهي تعده أن تعطيه أجره بعد أيام.
وبعد أسبوع أو أسبوعين قرع الباب، فخرجت العجوز لتفتحه، وإذا هي تفاجأ بالبنّاء، فذهلت، وضربت يدها على صدرها، وقالت: "أهذا هو أنت؟! أما متّ"، فدهش الرجل، وسألها: "ولماذا أموت. " فروت له ما كان من أمر الأفعى، وقبل أن تتم حديثها، سقط الرجل ميتاً.
تعليق:
تؤكد هذه الحكاية التأثير القوي للوهم في نفس الإنسان، فالرجل لم يمت بسبب طعام تناوله، كانت الأفعى ترقد فوقه، وهو لا يعلم، ولكنه مات بسبب توهمه وجود السم في ذلك الطعام الذي تناوله قبل أيام.
ومما لاشك فيه أن رقود الأفعى فوق الطعام لا يعني بالضرورة وجود السم فيه، كما لا يعني ضرره للإنسان، ولكن مفاجأة الإنسان بالخبر وتوهمه بوجود السم وذعره، كل أولئك أقوى أثراً من السم نفسه.
والحكاية تؤكد المثل القائل: "سم بني آدم أقوى من سم الأفعى"، وهو مثل يدل مثلما تدل الحكاية على شدة تأثير الكلمة في الإنسان، ولا سيما الكلمة المؤلمة، وقد تكون أكثر تأثيراً من السم نفسه.
وواضح لجوء الحكاية إلى المبالغة والإدهاش والمفاجأة لتحقيق التأثير الفني في المتلقي بالإضافة إلى ما فيها من تكثيف وإيجاز.
rvr