من طرف رشة ورد الخميس 15 يوليو 2010 - 5:59
عرفت الثورة الجزائرية باسم"ثورة المليون شهيد"، وهي حرب تحرير وطنية ثورية
ضد الاستعمار الاستيطاني الفرنسي قام بها الشعب الجزائري بقيادة جبهة
التحرير الوطني الجزائرية وكانت نتيجتها انتـزاع الجزائر لاستقلالها بعد
استعمار شرس وطويل استمرّ أكثر من 130 عاماً.
انطلقت الرصاصة الأولى للثورة الجزائرية في الاول من نوفمبر 1954 الذي
يصادف عند الأوروبيين يوم "عيد جميع القديسين" معلنةً قيام الثورة بعد
حوالي 130 سنة من الاستعمار الفرنسي للبلاد.
وقد بدأت هذه الثورة بقيام مجموعات صغيرة من الثوار المزوّدين بأسلحة قديمة
وبنادق صيد وبعض الألغام بعمليات عسكرية استهدفت مراكز الجيش الفرنسي
ومواقعه في أنحاء مختلفة من البلاد وفي وقت واحد.
ومع انطلاق الرصاصة الأولى للثورة، تمّ توزيع بيان على الشعب الجزائري يحمل
توقيع "الأمانة الوطنية لجبهة التحرير الوطني" وجاء فيه: "أن الهدف من
الثورة هو تحقيق الاستقلال الوطني في إطار الشمال الأفريقي وإقامة الدولة
الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادىء
الإسلامية".
ودعا البيان جميع المواطنين الجزائريين من جميع الطبقات الاجتماعية وجميع
الأحزاب والحركات الجزائرية إلى الانضمام إلى الكفاح التحريري ودون أدنى
اعتبار آخر.
وتمّ تشكيل الأمانة الوطنية لجبهة التحرير الوطني من تسعة أعضاء..
وقبل الدخول في تفاصيل هذه الثورة يمكن القول إنها لم تكن وليدة أول نوفمبر
1954.. بل كانت تتويجاً لثورات أخرى سبقتها، ولكن هذه الثورة كانت أقوى
تلك الثورات، وأشملها، وتمخضت عن إعلان استقلال الجزائر بعد ثمانية أعوام
من القتال الشرس، ويمكن تقسيم عمر الثورة إلى أربع مراحل:
المرحلة الأولى (54-56): وتركز العمل فيها على تثبيت الوضع العسكري
وتقويته، ومد الثورة بالمتطوعين والسلاح والعمل على توسيع إطار الثورة
لتشمل كافة أنحاء البلاد.
أما ردة فعل المستعمر الفرنسي فكانت القيام بحملات قمع واسعة للمدنيين
وملاحقة الثوار..
المرحلة الثانية (56 - 58): شهدت هذه المرحلة ارتفاع حدة الهجوم الفرنسي
المضاد للثورة من أجل القضاء عليها.. إلا أن الثورة ازدادت اشتعالاً وعنفاً
بسبب تجاوب الشعب معها، وأقام جيش التحرير مراكز جديدة ونشطت حركة
الفدائيين في المدن.
كما تمكّن جيش التحرير من إقامة بعض السلطات المدنية في بعض مناطق الجنوب
الجزائري وأخذت تمارس صلاحياتها على جميع الأصعدة.
المرحلة الثالثة (58 - 60): كانت هذه المرحلة من أصعب المراحل التي مرّت
فيها الثورة الجزائرية، إذ قام المستعمر الفرنسي بعمليات عسكرية ضخمة ضد
جيش التحرير الوطني. وفي هذه الفترة، بلغ القمع البوليس حده الأقصى في
المدن والأرياف.. وفرضت على الأهالي معسكرات الاعتقال الجماعي في مختلف
المناطق.
أما رد جيش التحرير، فقد كان خوض معارض عنيفة ضد الجيش الفرنسي واعتمد خطة
توزيع القوات على جميع المناطق من أجل إضعاف قوات العدو المهاجمة، وتخفيف
الضغط على بعض الجبهات، بالإضافة إلى فتح معارك مع العدو من أجل إنهاكه
واستنـزاف قواته وتحطيمه.
وفي 19 أيلول - سبتمبر عام 1958 تمّ إعلان الحكومة الجزائرية المؤقتة
برئاسة السيد فرحات عباس، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت هذه الحكومة هي الممثل
الشرعي والناطقة باسم الشعب الجزائري والمسؤولة عن قيادة الثورة سياسياً
وعسكرياً ومادياً، وأعلنت في أول بيان لها عن موافقتها على إجراء مفاوضات
مع الحكومة الفرنسية شرط الاعتراف المسبق بالشخصية الوطنية الجزائرية.
وفي تشرين الثاني - نوفمبر من عام 1958 شنّ جيش التحرير الوطني هجوماً على
الخط المكهرب على الحدود التونسية، كما خاض مع الجيش الفرنسي معارك عنيفة
وبطولية في مختلف أنحاء الجزائر.. وعلى الصعيد السياسي، طرحت قضية الجزائر
في الأمم المتحدة وفي مؤتمر الشعوب الأفريقية بـ"أكرا" ولاقت التضامن
والدعم الكاملين والتأييد المطلق لها...
وفي كانون الأول - ديسمبر من 1958، ألقى الجنرال ديغول خطاباً في الجزائر
العاصمة أشار فيها إلى الشخصية الجزائرية، وانتخب في 22 من هذا الشهر
رئيساً للجمهورية الفرنسية.
وفي 16 أيلول - سبتمبر 1959، أعلن الجنرال ديغول اعتراف فرنسا بحق الجزائر
في تقرير مصيرها. وكان جواب الحكومة الجزائرية المؤقتة قبولها لمبدأ تقرير
المصير واستعدادها للتفاوض المباشر في الشروط السياسية والعسكرية لوقف
القتال وتوفير الضمانات الضرورية لممارسة تقرير المصير.
المرحلة الرابعة (1960 - 1962): المرحلة الحاسمة، خلال هذه الفترة الهامة
والحاسمة من حرب التحرير.. حاول الفرنسيون حسم القضية الجزائرية عسكرياً..
ولكنهم لم يفلحوا في ذلك.. لأن جذور الثورة كانت قد تعمقت وأصبحت موجودة في
كل مكان. وأضحى من الصعب، بل من المستحيل القضاء عليها، ورغم هذا الواقع..
فقد جرّد الفرنسيون عدة حملات عسكرية ضخمة على مختلف المناطق الجزائرية،
ولكنها جميعاً باءت بالفشل وتكبّد الجيش الفرنسي خلالها خسائر فادحة، وقد
تمّ في شهر كانون الثاني - يناير 1960 تشكيل أول هيئة أركان للجيش الجزائري
الذي كان متمركزاً على الحدود الجزائرية - التونسية والجزائرية - المغربية
وتمّ تعيين العقيد هواري بومدين أول رئيس للأركان لهذا الجيش.
وفي هذه الفترة بالذات، تصاعد النضال الجماهيري تحت قيادة الجبهة، وقد
تجسّد ذلك في مظاهرات 11 كانون الأول - ديسمبر 1960، وتمّ خلال هذه الفترة
عقد المؤتمر الثاني لجبهة التحرير الوطني في مدينة طرابلس بليبيا عام 1961.
أما على الصعيد السياسي، فقد عقدت الدورة 16 للأمم المتحدة (أيلول - سبتمبر
1961 وشباط - فبراير 1962)، وأمام أهمية الاتصالات المباشرة بين جبهة
التحرير والحكومة الفرنسية، فإن الأمم المتحدة "دعت الطرفين لاستئناف
المفاوضات بغية الشروع بتطبيق حق الشعب الجزائري في حرية تقرير المصير
والاستقلال، وفي إطار احترام وحدة التراب الجزائري".
وهكذا انتصرت وجهة نظر جبهة التحرير الوطني.. وأُجبرت فرنسا على التفاوض
بعد أن تأكدت فرنسا نفسها أن الوسائل العسكرية لم تنفع، خاصة بعد الفشل
الذريع الذي مُنيت به حملاتها الضخمة وعدم فعالية القمع البوليسي في المدن،
ورفض الشعب الجزائري المشاركة في الانتخابات المزوّرة واستحالة إيجاد "قوة
ثالثة" تكون تابعة للمستعمر بأي حال.
وقام الفرنسيون بمناورات عدة وتهديدات كثيرة لتحاشي التفاوض، وعملوا كل ما
بوسعهم لتصفية جيش التحرير الوطني كقوة عسكرية وكقوة سياسية.. فتهربت فرنسا
من كل محاولات التفاوض النـزيه عاملة على إفراغ حق تقرير المصير من محتواه
الحقيقي، متوهمة بذلك أنها ستنتصر عسكرياً على الثورة.
وكان يقابل سياسة المفاوضات هذه.. حرب متصاعدة في الجزائر بهدف تحقيق
النصر؛ فقد كان الفرنسيون يعتقدون أن رغبة جبهة التحرير في السلم وقبولها
للاستفتاء يعتبر دليلاً على الانهيار العسكري لجيش التحرير الوطني.. إلا أن
الجبهة عادت وأكدت من جديد أن الاستقلال ينتـزع من سالبه ولا يوهب منه،
فاتخذت جميع التدابير لتعزيز الكفاح المسلح..
وعادت فرنسا بعد ذلك لتقدم لمندوبي جبهة التحرير صورة كاريكاتورية
للاستقلال: جزائر مقطوعة عن أربعة أخماسها (الصحراء) وقانون امتيازي
للفرنسيين... فرفضت الجبهة المقترحات جملة وتفصيلاً.. ولما عجزت فرنسا عن
حلّ القضية بانتصار عسكري.. أجرت اتصالات ومفاوضات جديدة لبحث القضايا
الجوهرية، وقد دخلت هذه المرة مرحلة أكثر إيجابية، وتحددت الخطوط العريضة
للاتفاق، أثناء مقابلة تمت بين الوفد الجزائري والوفد الفرنسي في قرية
فرنسية بالقرب من الحدود السويسرية.
وبعد ذلك.. عقدت ندوة حول إيقاف القتال في إيفيان من 7 إلى 18 آذار - مارس
1962 تدارست الوفود خلالها تفاصيل الاتفاق.. وكان الانتصار حليف وجهة نظر
جبهة التحرير، وتوقف القتال في 19 آذار - مارس بين الطرفين وتحدد يوم الأول
من تموز لإجراء استفتاء شعبي.. فصوّت الجزائريون جماعياً لصالح
الاستقلال.. وبذلك تحقق الهدف السياسي والأساسي الأول لحرب التحرير، بعد أن
دفع الشعب الجزائري ضريبة الدم غالية في سبيل الحرية والاستقلال.. وبعد أن
استمرت الحرب قرابة ثماني سنوات سقط خلالها ما يقرب من مليون ونصف مليون
شهيد.
وقد صادف بدء انسحاب القوات الفرنسية في 5 تموز - يوليو 1962 في يوم دخولها
5 تموز - يوليو 1830 أي بعد 132 عاماً من الاستعمار، كما انسحبت هذه
القوات من نفس المكان الذي دخلت منه إلى الجزائر في منطقة "سيدي فرج"
القريبة من الجزائر العاصمة وتمّ في هذا اليوم تعيين السيد أحمد بن بيللا
كأول رئيس لجمهورية الجزائر المستقلة بعد خروجه من السجون الفرنسية مع عدد
من قادة الثورة وكوادرها.
يرجع الفضل في انتصار الثورة الجزائرية إلى وضوح أهداف القائمين بها
والتضحيات الشعبية الهائلة التي قدمها الشعب الجزائري الذي عبأ كل طاقاته
لتحقيق الانتصار، يضاف إلى ذلك الأساليب المبتكرة التي لجأ إليها المجاهدون
والمجاهدات لتوجيه الضربات الأليمة لجيش متفوق في العدد والعدة. وأخيراً
التأييد العربي (قواعد الثوار في تونس والمغرب والدعم الشعبي والمادي
الواسع من مصر عبد الناصر وسورية والعراق)، والعالمي (دول العالم الثالث
والدول الاشتراكية).
التحضير لإندلاع الثورة الجزائرية :
لقد تم وضع اللمسات الأخيرة للتحضير لاندلاع الثورة التحريرية في اجتماعي
10 و24 أكتوبر 1954 بالجزائر من طرف لجنة الستة . ناقش المجتمعون قضايا
هامة هي :
- إعطاء تسمية للتنظيم الذي كانوا بصدد الإعلان عنه ليحل محل اللجنة
الثورية للوحدة والعمل وقد اتفقوا على إنشاء جبهة التحرير الوطني وجناحها
العسكري المتمثل في جيش التحرير الوطني. وتهدف المهمة الأولى للجبهة في
الاتصال بجميع التيارات السياسية المكونة للحركة الوطنية قصد حثها على
الالتحاق بمسيرة الثورة، وتجنيد الجماهير للمعركة الحاسمة ضد المستعمر
الفرنسي
- تحديد تاريخ اندلاع الثورة التحريرية : كان اختيار ليلة الأحد إلى
الاثنين أول نوفمبر 1954كتاريخ انطلاق العمل المسلح يخضع لمعطيات تكتيكية -
عسكرية، منها وجود عدد كبير من جنود وضباط جيش الاحتلال في عطلة نهاية
الأسبوع يليها انشغالهم بالاحتفال بعيد مسيحي، وضرورة إدخال عامل المباغتة.
- تحديد خريطة المناطق وتعيين قادتها بشكل نهائي، ووضع اللمسات الأخيرة
لخريطة المخطط الهجومي في ليلة أول نوفمبر)خريطة أهم عمليات أول نوفمبر
1954).
المنطقة الأولى- الأوراس :مصطفى بن بولعيد
المنطقة الثانية- الشمال القسنطيني: ديدوش مراد
المنطقة الثالثة- القبائل: كريم بلقاسم
المنطقة الرابعة- الوسط: رابح بيطاط
المنطقة الخامسة- الغرب الوهراني: العربي بن مهيدي
تحديد كلمة السر لليلة أول نوفمبر 1954 : خالد وعقبة
الاندلاع :
كانت بداية الثورة بمشاركة 1200مجاهد على المستوى الوطني بحوزتهم 400 قطعة
سلاح وبضعة قنابل تقليدية فقط. وكانت الهجومات تستهدف مراكز الدرك والثكنات
العسكرية ومخازن الأسلحة ومصالح استراتيجية أخرى، بالإضافة إلى الممتلكات
التي استحوذ عليها الكولون..
شملت هجومات المجاهدين عدة مناطق من الوطن ، وقد استهدفت عدة مدن وقرى عبر
المناطق الخمس : باتنة، أريس، خنشلة وبسكرة في المنطقة الأولى، قسنطينة
وسمندو بالمنطقة الثانية ، العزازقة وتيغزيرت وبرج منايل وذراع الميزان
بالمنطقة الثالثة. أما في المنطقة الرابعة فقد مست كلا من الجزائر وبوفاريك
والبليدة ، بينما كانت سيدي علي و زهانة ووهران على موعد مع اندلاع الثورة
في المنطقة الخامسة ( خريطة التقسيم السياسي والعسكري للثورة 1954 -1956).
وباعتراف السلطات الإستعمارية ، فإن حصيلة العمليات المسلحة ضد المصالح
الفرنسية عبر كل مناطق الجزائر ليلة أول نوفمبر 1954 ، قد بلغت ثلاثين
عملية خلفت مقتل 10 أوروبيين وعملاء وجرح 23 منهم وخسائر مادية تقدر
بالمئات من الملايين من الفرنكات الفرنسية. أما الثورة فقد فقدت في مرحلتها
الأولى خيرة أبنائها الذين سقطوا في ميدان الشرف ، من أمثال بن عبد المالك
رمضان وقرين بلقاسم وباجي مختارو ديدوش مراد و غيرهم
بيان أول نوفمبر 1954 :
وقد سبق العمل المسلح الإعلان عن ميلاد "جبهة التحرير الوطني "التي أصدرت
أول تصريح رسمي لها يعرف بـ "بيان أول نوفمبر ".وقد وجهت هذا النداء إلى
الشعب الجزائري مساء 31 أكتوبر 1954 ووزعته صباح أول نوفمبر، حددت فيه
الثورة مبادئها ووسائلها ، ورسمت أهدافها المتمثلة في الحرية والاستقلال
ووضع أسس إعادة بناء الدولة الجزائرية والقضاء على النظام الاستعماري .
وضحت الجبهة في البيان الشروط السياسية التي تكفل تحقيق ذلك دون إراقة
الدماء أو اللجوء إلى العنف ؛ كما شرحت الظروف المأساوية للشعب الجزائري
والتي دفعت به إلى حمل السلاح لتحقيق أهدافه القومية الوطنية، مبرزة
الأبعاد السياسية والتاريخية والحضارية لهذا القرار التاريخي. يعتبر بيان
أول نوفمبر 1954 بمثابة دستور الثورة ومرجعها الأوّل الذي اهتدى به قادة
ثورة التحرير وسارت على دربه الأجيال.
نص البيان :
بسم الله الرحمن الرحيم نداء إلى الشعب الجزائري هذا هو نص أول نداء وجهته
الكتابة العامة لجبهة التحرير الوطني إلى الشعب الجزائري في أول نوفمبر
1954 أيها الشعب الجزائري، أيها المناضلون من أجل القضية الوطنية، أنتم
الذين ستصدرون حكمكم بشأننا ـ نعني الشعب بصفة عامة، و المناضلون بصفة خاصة
ـ نُعلمُكم أن غرضنا من نشر هذا الإعلان هو أن نوضح لكُم الأسْباَبَ
العَميقة التي دفعتنا إلى العمل ، بأن نوضح لكم مشروعنا و الهدف من عملنا، و
مقومات وجهة نظرنا الأساسية التي دفعتنا إلى الاستقلال الوطني في إطار
الشمال الإفريقي، ورغبتنا أيضا هو أن نجنبكم الالتباس الذي يمكن أن توقعكم
فيه الإمبريالية وعملاؤها الإداريون و بعض محترفي السياسة الانتهازية. فنحن
نعتبر قبل كل شيء أن الحركة الوطنية ـ بعد مراحل من الكفاح ـ قد أدركت
مرحلة التحقيق النهائية. فإذا كان هدف أي حركة ثورية ـ في الواقع ـ هو خلق
جميع الظروف الثورية للقيام بعملية تحريرية، فإننا نعتبر الشعب الجزائري في
أوضاعه الداخلية متحدا حول قضية الاستقلال و العمل ، أما في الأوضاع
الخارجية فإن الانفراج الدولي مناسب لتسوية بعض المشاكل الثانوية التي من
بينها قضيتنا التي تجد سندها الديبلوماسي و خاصة من طرف إخواننا العرب و
المسلمين. إن أحداث المغرب و تونس لها دلالتها في هذا الصدد، فهي تمثل بعمق
مراحل الكفاح التحرري في شمال إفريقيا. ومما يلاحظ في هذا الميدان أننا
منذ مدة طويلة أول الداعين إلى الوحدة في العمل. هذه الوحدة التي لم يتح
لها مع الأسف التحقيق أبدا بين الأقطار الثلاثة. إن كل واحد منها اندفع
اليوم في هذا السبيل، أما نحن الذين بقينا في مؤخرة الركب فإننا نتعرض إلى
مصير من تجاوزته الأحداث، و هكذا فإن حركتنا الوطنية قد وجدت نفسها محطمة ،
نتيجة لسنوات طويلة من الجمود و الروتين، توجيهها سيئ ، محرومة من سند
الرأي العام الضروري، قد تجاوزتها الأحداث، الأمر الذي جعل الاستعمار يطير
فرحا ظنا منه أنه قد أحرز أضخم انتصاراته في كفاحه ضد الطليعة الجزائرية.
إن المرحلة خطيرة. أمام هذه الوضعية التي يخشى أن يصبح علاجها مستحيلا، رأت
مجموعة من الشباب المسؤولين المناضلين الواعين التي جمعت حولها أغلب
العناصر التي لا تزال سليمة و مصممة، أن الوقت قد حان لإخراج الحركة
الوطنية من المأزق الذي أوقعها فيه صراع الأشخاص و التأثيرات لدفعها إلى
المعركة الحقيقية الثورية إلى جانب إخواننا المغاربة و التونسيين. وبهذا
الصدد، فإننا نوضح بأننا مستقلون عن الطرفين اللذين يتنازعان السلطة، إن
حركتنا قد وضعت المصلحة الوطنية فوق كل الاعتبارات التافهة و المغلوطة
لقضية الأشخاص و السمعة، ولذلك فهي موجهة فقط ضد الاستعمار الذي هو العدو
الوحيد الأعمى، الذي رفض أمام وسائل الكفاح السلمية أن يمنح أدنى حرية. و
نظن أن هذه أسباب كافية لجعل حركتنا التجديدية تظهر تحت اسم : جبهة التحرير
الوطني. و هكذا نستخلص من جميع التنازلات المحتملة، ونتيح الفرصة لجميع
المواطنين الجزائريين من جميع الطبقات الاجتماعية، وجميع الأحزاب و الحركات
الجزائرية أن تنضم إلى الكفاح التحرري دون أدنى اعتبار آخر. ولكي نبين
بوضوح هدفنا فإننا نسطر فيما يلي الخطوط العريضة لبرنامجنا السياسي.
الهدف:الاستقلال الوطني .
وكان تحديد كلمة السر لليلة 1 نوفمبر 1954 : خالد وعقبة
وفي الاخير و كحوصلة : يرجع الفضل في انتصار الثورة الجزائرية إلى وضوح
أهداف القائمين بها والتضحيات الشعبية الهائلة التي قدمها الشعب الجزائري
الذي عبأ كل طاقاته لتحقيق الانتصار، يضاف إلى ذلك الأساليب المبتكرة التي
لجأ إليها المجاهدون والمجاهدات لتوجيه الضربات الأليمة لجيش متفوق في
العدد والعدة. وأخيراً التأييد العربي (قواعد الثوار في تونس والمغرب
والدعم الشعبي والمادي الواسع من سورية والعراق)، والعالمي (دول العالم
الثالث والدول الاشتراكية).