من طرف محمد علي 12 الخميس 10 فبراير 2011 - 6:39
ثمة اختلاف بين الطعم واللذة، فالطعم آنيّ بينما اللذة دائمة. والفرق بينهما كالفرق بين الأخذ والعطاء. وكثير من الناس يفرح بالأخذ والظفر ويشعر بالمتعة والجذل، وقليل من يسعد بالعطاء والبذل برغم أن متعة العطاء تفوق فرحة الأخذ، حيث يرمز العطاء للروح المحسوسة، وينسب الأخذ للمادة الملموسة وفرق بين هذا وذاك.
وطالما كان العطاء يمثل قيمة اجتماعية عليا فلا بد أن يكون خالصا من شوائب المصالح، ودوافع الاستحواذ وبعيدا عن انتظار المردود. وليس أسمى من أن تعطي أحدا هو بحاجة ماسة لعطائك المعنوي أو المادي وتذهب مسرعا، فلا تنتظر حتى ترى لمعة عينيه تبرق بالامتنان، ولا حركة شفتيه تلهج بالشكر والعرفان، ولا ردود فعله تغمس بالخجل والحياء. ولا أحسن من العطاء قبل السؤال، ولا أفضل من الرأفة بالسائل حين البذل!
وإن بدا العطاء جميلا باهراً، فإن المبادرة به دون طلب أجمل وأروع، وأكثر نقاء وأشد صفاء حين تنظر لقيمة من تمنحه، لا قيمة ما تمنحه ! فقد يتضاءل عطاؤك أمام قامات مديدة ونفوس عظيمة، وقلوب كبيرة وطباع كريمة تشعر بأن مجرد قبولهم له هو في الواقع سعادة لك، ورضا، وامتنان لهم، وشكر لله الذي يسر لك الاستطاعة كي تمنح وتعطي. وكثير من العطاء المعنوي المغلف بالسمو يغلب العطاء المادي، خاصة عندما يكون المرء بحاجة إلى وجودك قربه.
أنت دون سواك !
تتلمس ألمه، فتمسح على جسد أقعده الدهر، وأضرَّت به الحاجة.
وتداوي جرحَ قلب أدماه مشرط الزمن، وترطب كبدا قد أوجعها كيُّ ميسم الظلم والاعتداء!!
وتربت على كتف أثقلته الهموم ونأى بحمل الأحزان!!
وقد يأتي يوم تتلاشى فيه الآلام فلا يبقى شيء! فالزمن كفيل بمداواة الجراح، ورتق شقوق الألم، ومسح عرق الشقاء. وعندها إما أن تشعر بالرضا حيث أعنت امرءا على دحر سطوة الزمن، وساهمتَ في إقلاع الأحزان من مطار قلبه. أو أن تتحلب الحسرة في قلبك ويذوب الندم في نفسك لأنك لم تتفقد حاله ولم تعرف مآله، فقتَّرت بلمسة حانية وضننت بكلمة ندية، وشححت بوقفة صادقة، أو بخلت بموقف شهامة وتسجيل لحظة مروءة !! بينما لن ينسى الزمن شيئا، فأسفار التاريخ تعشق جمع سجلات الوفاء والعطاء بين دفتيها، فتراها صفحات مضيئة ومسفرة. وتبغض الجحود وتكره بخل المشاعر، وتمقت نكران الجميل فتراها بين السجلات أوراقا شاحبة كالحة !!
ومن منكم لا يود أن يعيش الناس في فضله، ويستطعموا صنيعه، ويتقلبوا بكرمه؟ ومن منكم لا يريد أن يعطي بعض ما عنده ليسجل اسمه في صفحات السخاء المضيئة؟ أو يعطي أكثر مما يملك ليدون فعله في صفحة الجود المشعة؟ أو يمنحَ فوق ما لديه ليُخلَّد فعله مع اسمه في سطور الإيثار الساطعة؟
أمامكم الفرص، وحولكم الأشخاص، وبينهما التاريخ.. فقرروا ماذا تريدونه يُكتب؟!