من طرف محمد علي 12 الثلاثاء 15 فبراير 2011 - 7:39
تخيلوا
معي حال مدير إداري يدير إدارة وهو يجهل أبجديات الإدارة، أو وضع من يدير إدارة
قانونية وهو يجهل القانون، أو عضوا في هيئة حقوقية وهو أول من ينهب حقوق الناس
ويبتسرها، أو حال مسؤول تخرج بتقدير مقبول في تخصص تافه ويردد كلمات التميز
والإبداع والعالمية
أو مسؤول رفضته جميع الدوائر التي تقدم لها لشكها في صحة مؤهله لتقبله جهة ما
فينطلق بسرعة البرق لأعلى المناصب فيها. حالات استثنائية في عوالمنا الوظيفية.
هذه بعض نماذج الأشخاص الخطأ في الأماكن الخطأ، وهناك قواسم مشتركة وعلامات لا
تخطئها عين الملاحظ تدل على ضيق حال هؤلاء بمسئولياتهم، علامات تشير إليهم كما تدل
البعرة على البعير والأثر على المسير. فكثير منهم ينقصه التأهيل الحقيقي اللازم
لكن لا تعوزه الفهلوة ولا الحيلة، وهم يعرفون أكثر من غيرهم أقصر الطرق لتحقيق
أهدافهم التي لا تتطابق ضرورة مع المصلحة العامة، وهي وإن تطابقت فمرحلياً أو لأمر
في نفس يعقوب. فما هي هذه القواسم المشتركة:
أولاً: يحيط المسئول نفسه بكثير من المستشارين الذين يقومون بالعمل بدلاً عنه
وخاصة في مراحله الأولى التي يريد فيها إثبات ذاته وجدارته. و يؤدي هؤلاء
المستشارون العمل بينما يظهر المسئول في الصورة وينسب العمل لنفسه بطرق مباشرة
وغير مباشرة. وهنا يلجأ المسئول أحياناً إلى ضمير الجمع «نحن» بدل المفرد «أنا»،
في عبارات مثل: «العمل الذي أنجزناه، أو الدراسة التي قمنا بها، وبطبيعة الحال
عندما يكون الرئيس رئيسا في جماعة «النحن» أيضاً، يفهم أنه هو الذي أنجز العمل
وليس الضعفاء في إدارته. أو أنه يلجأ إلى عبارات مبنية للمجهول، أُنجز، أُتم الخ..
دونما تحديد لمن أنجز أو أتم. وبعضهم يفضل دائما المستشار الأجنبي لأنه ألين وأستر
و لا يحتاج المسئول مع ذلك التحدث بضمير الجمع.
ثانياً: الانطلاق الفوري نحو المؤتمرات، والندوات، وورش العمل، وهي جميعها آليات
تصيب أكثر من عصفور بحجر واحد، فهي تتيح له الظهور الإعلامي وكأنما الآخرين حضروا
للمؤتمر ليستمعوا لأفكاره وليس العكس، وغالباً يحصل على أعلى مكافأة مالية في
تنظيم المؤتمرحتى ولو أنه قدم أقل مجهود، و هذه المؤتمرات التي تكلف الكثير من
المال العام تكون مناسبات لتجميع أفكار المتخصصين التي يحتاجها المسئول. ولا ننسى
أيضاً اجتماعات ما يسمى «بالعصف الذهني» على مستوى الدائرة. وعندما يحدثك مسئول عن
عقد اجتماع عصف ذهني فمحصلة الاجتماع هي عصف أذهان الآخرين لتخرج أفكارهم وخبراتهم
وتستقر في ذهن سعادته، ومن يرفض عصف ذهنه لسعادته عصف سعادته بوضعه الوظيفي.
ثالثاً: الإكثار من عقد اللجان الدائمة والمؤقتة التي يكون هدفها إما جمع التوصيات
لرفعها للمسئولين الأعلى وكأنما هي من بنات أفكار من يدفع مكافآت اللجان، أو الدفع
مسبقاً وبكرم للجان كي تخرج بتوصيات تحقق أهدافا يريدها سعادته ويجد صعوبة، أو
حرجاً في إقناع الآخرين بها. فبعض المقترحات تحتاج لتورية، ولفلفة، ولملمة، وأسماء
معروفة أو ألقاب أكاديمية كبيرة تدعمها لتكون قابلة للتصديق، و لا مانع من أن
يشترك في هذه اللجان مسئولون من خارج الدائرة من قبيل العلاقات العامة والوفاء
لأصحاب فترة ما قبل المنصب.
رابعاً: الإكثار والمبالغة بمناسبة وغير مناسبة في مدح المسئولين ومنافقتهم حتى
ولو خرج ذلك عن المألوف المعتاد، رغم أن ذلك في واقع الحال قد يضايقهم. وهذا
المديح والتطبيل لا يتجاوز حركات الشفاه ولوك اللسان، وينظر له بعضهم على أنه لزوم
ما يلزم للاستمرار في الوظيفة.
خامساً: اللجوء للخبراء الأجانب أو الجهات الأجنبية لمشاركتهم في مشاريع المصلحة
أو الدائرة لمعرفة المسئول أن لدى هذه الجهات الاستعداد الكامل لقول أي شيء
والإشادة بأي مشروع إذا ما كان هناك فائدة مادية، أو شراكة مستقبلية لهذه الجهة في
المشروع. وهي تخلق انطباعاً بأن المسئول مطلع على ما يجري في العالم، وأن البلد
وأبناءها لا يتسعون لعبقريته التي طالت العالمية أيضا. وكلما اقتربت هذه الجهة من
العالم الثالث كلما كانت التوصية من الطراز الأول.
سادساً: وضع أهداف مستقبلية للإدارة مفرطة الطموح، و غير قابلة أو مستحيلة
التحقيق، لأن هذه المشاريع تستغرق وقتاً أطول، وتحتاج كلفة أكبر، وهي تدل ولو
دعائياً على علو همة المسئول، كما أنها صعبة ومعقدة ولا يمكن للمسئول أن يلام في
حالة فشله في تحقيقها, وإنما على العكس من ذلك قد يشاد بالمسئول لأن طموحاته كانت
عظيمة تقصر عنها الهمم، وفي النهاية يكون مجتهدا له أجران بدلا من أجر واحد.
وقائمة المشاريع من هذا النوع لا تحتاج لتعديد.
سابعاً: الاختباء وراء عبارات مطاطية لا معنى لها مثل الإبداع، الابتكار، التميز،
العالمية الخ الخ. فهذه العبارات لا معنى لها مطلقاً، وكما يقول الحديث الشريف:
«رحم الله امرأ عرف قدر نفسه»، وحسبنا من المسئول تنظيم إدارته، وتنظيفها،
وتحفيزها، وتحسين خدماتها، والارتفاع بمخرجاتها ولا نريد مطلقاً الإبداعات
الجوفاء، ولا المبتكرات الدعائية، ولا العالمية الموعودة. فالإنجازات المتخيلة غير
المنجزات الواقعية الحقيقية. والأهداف الحقيقية تلاحق المسئول دائماً مطالبة له
بالوفاء بها، على عكس الوعود الجوفاء التي تبقى أضغاث أحلام.
ثامناً: الإسراع في تغيير نظام الإدارة الحاسوبي حتى ولو كان جديدًا ومن أحدث طراز
لأن ذلك يخدم عدة أهداف منها أن يظهر المسئول بمظهر المسئول العصري المتطور، مسئول
من القرن الحادي والعشرين، حتى ولولم يسبق له النقر بأصبعه على لوحة مفاتيح
الكمبيوتر، ولكن البركة في الربع والمستشارين والشركات الحاسوبية التي لا تأخذ
المشروع على المفتاح فحسب، بل وتتعهد بتدريب المسئول وبعض من يعول على فهم أبجديات
الحاسب الآلي. ومن المعروف في هذه الأيام أن الدولة تدعم مثل هذه المشاريع بسخاء
كبير فلا ضير أن يضع المسئول الميزانية التي يريدها لإعادة حوسبة إدارته، ولكن في
بعض الأحيان تفوق كلفة الفشل الحاسوبي الفشل الآدمي بمراحل، ولو دخل أحدنا
للبوابات الإليكترونية لبعض الدوائر لاكتشف أبجديات الجهل الحاسوبي تطل عليه من كل
مكان. وفي بعض الدوائر ترسل المعاملة حاسوبياً ولكن الإجراءات لا تتخذ عليها إلا
ورقيا!!!
تاسعا: انتشار المعارف، والأقارب، والأصحاب، و«أهل الديرة» في دائرة المسئول،
وبعضهم لا يرى بأساً في أن يبدأ بمن يعول، وذوي القربى، وأحياناً، وإذا ما كان
المسئول ذكيا ألمحيا لا يطفو أقاربه على السطح في إدارته ولكن في إدارة زميل له
يبادله التحية بأحسن منها. فوظيفة مدير علاقات عامة، أو مدير اتصالات لها من اسمها
نصيب، ومستشار المدير أو مدير مكتب الخبير إدارات ذات طابع شخصي حيوي.
هذه بعض سمات الشخص الخطأ في المكان الخطأ، وهي ظاهرة عامة في جميع الدول، ولكنها
ولله الحمد لا تنطبق على معظم مسئولينا لأن الجدارة هي المحك الأول للوظائف لدينا
ولله الحمد.